الخميس، 14 مايو 2015

مفهوم الحرية

                                           
  
                            مفهوم: الحرية
الحرية لغة الخلوص، وشرعا خلوص حكمي يظهر في الشخص لانقطاع حق الغير عنه، ويقابلها الرق والعبودية، والحرية مفهوم أخلاقي واجتماعي، وقد يعني القدرة على الاختيار بين البدائل المتاحة، وإتيان الأفعال المعتمدة المسؤولة، والقيام بالمبادرات، وقد يعني التحرر من الضغوط وأنواع القسر والمعوقات التي يفرضها آخرون أو الظروف على الفرد. ومثال الأول حرية التفكير والتعبير والتجمع والعمل والعبادة والتملك... أما الثاني فهو التحرر من الحاجة والخوف، وحرية الاختيار هي انبثاق فعل الإنسان من إرادته دون ضغوط خارجية، أو قسر بواعث داخلية، ويقابلها انعدام الاختيار كما كان عند العبد المملوك حيث الخير فيما اختاره سيده.
المحور الأول: الحرية والحتمية
الإشكالية: هل تصدر تصرفات الإنسان وأفعاله عن الحرية، أم عن حتمية وضرورة؟ وهل للإنسان القدرة على الاختيار أم انه خاضع لعوامل تتجاوزه وتتعالى عليه؟
موقف ابن رشد: حاول هذا الفيلسوف المسلم فض النزاع الذي احتدم بين الفرق الكلامية حول مسألة القضاء والقدر، وذلك بتبني موقف معتدل يعترف فيه بقدرة الإنسان على اختيار بعض الأفعال بإرادته من جهة، وخضوعه للقدر من جهة أخرى؛ إذ خلق الله تعالى للبشر القوة يقدرون بها على القيام بأفعال متضادة ، لكن القيام بها لايكون إلا في إطار الأسباب التي سخرها الله تعالى، فتتم الأفعال بإرادة إنسانية متطابقة مع القدر، وهذا الأخير هو الأسباب المسخرة من الخارج، كما تخضع أفعال البشر إلى أسباب داخلية هي قوانين الطبيعة المتحكمة في الأجسام، ومن ثمة تتراوح بين الحرية والحتمية أو الضرورة .
موقف سبينوزا: ليس الإنسان حرا في أفعاله وتصرفاته، وإنما خاضع لضرورات وحتميات طبيعية ترتبط بالأسباب والعلل، التي تحدد المسببات والنتائج، فكما يحدث في العالم الطبيعي للأجسام في حركتها وسكونها، يخضع الإنسان لنفس الضرورات، وليس القول بالحرية سوى نتيجة للجهل بالأسباب الحقيقية للفعل والوعي بالشهوات والملذات، فكل الأفعال الإنسانية خاضعة للإكراه ولا حرية فيها. إن النفس لاتنطوي على أية إرادة حرة ، بل هي مجبورة على أن تريد هذا أو ذاك . وأن الله هو العلة الحرة لسائر الأشياء ما دام معروفا بمذهبه في وحدة الوجود
موقف كانط: تخضع الحرية لنوع من السببية يختلف عن السببية الطبيعية، حيث أن هذه الأخيرة ترابط بين السابق واللاحق وفق فانون كوني، أما الحرية فتأسيس للفعل باعتبارها استقلالية تتعارض مع الإكراه الذي يفرضه التأثر بالمعطيات الحسية للعالم الخارجي، ذلك أن الحرية في معناها الأخلاقي قيام بالذات في الحكم، لأنها فكرة متعالية لايمكن إخضاعها للتجربة . علينا إذن حسب كانط – أن نسلم بوجود ثنائية باطنية في الإنسان ، مادامت أفعالنا تندرج من ناحية في سلسلة الظواهر العلية فتتصف بأنها تجريبية قابلة للتفسير ضرورية. ومن ناحية أخرى تند عن الزمان حيث إنها تعبر عن اختيار أصلي زماني معقول فتخلع على الإنسان صفة الحرية وتجعل منه موجود مسؤولا . ومعنى هذا أن كل فعل أخلاقي يفترض لدى الإنسان حرية أصلية هي الشرط المطلق الذي بدونه لن يكون للشعور الأخلاقي أي وجود.
خلاصة : لقد شكلت مسألة الحرية والحتمية قضية فلسفية خاض غمارها العديد من الفلاسفة منذ القديم، وخاصة خلال العصور الوسطى حيث اضطر المفكرون إلى التعامل مع بعض الأفكار الدينية تعاملا عقليا، فجاءت إجاباتهم متعارضة،بل متناقضة في بعض الأحيان، وهذا دليل صريح على تعقد هذه الإشكالية وصعوبتها. فماهي علاقة الإرادة بالحرية؟
المحور الثاني: الحرية والإرادة
الإشكالية: إذا كانت الحرية هي الاختيار، فإنها تنبع من الإرادة، لكن ما طبيعة هذه الأخيرة؟ هل تصدر عن مبادئ العقل أم الغريزة؟ أهي من طبيعة وجودية أم سياسية؟ وبأي معنى تكون الحرية ماهية إنسانية؟
موقف ابن باجة: يبرز تميز الإنسان عن باقي الموجودات الطبيعية بالقدرة على الاختيار، أي أن أفعاله صادرة عن إرادة مبنية على العقل والتفكير، ولأن للإنسان جزءا من النفس بهيميا، فانه يتميز عن الحيوان بقدرته على عقلنة أفعاله الغريزية الفطرية، وقد توجد بعض الأفعال غير المفكر فيها لدى الإنسان لكنها لاتتجاوز مرتبة الانفعال النفسي كالغضب والخوف والتشهي...؛ لان ميزته هي التفكير والتدبر في الفعل قبل إتيانه. والى جانب العقل تخضع الأفعال الإنسانية إلى القيم الأخلاقية والفضائل. علاقة الحرية بالإرادة وثيقة إذن، مادامت الأفعال السلوكات اختيارية.
موقف دوطوكفيل: تقترن الإرادة بالحرية في المجال السياسي، حيث تكون الأولى الأساس الذي تقوم عليه السلطة داخل المجتمع، مادامت من اختيار الناس الذين يطمحون إلى المساواة، أما الثانية فتشكل مطلبا يؤدي بهم إلى بناء مؤسسات ديمقراطية من جهة، والى الاستقلال من جهة أخرى، شريطة أن يكون في إطار الجماعة والتوافق العام، وإلا ستعم الفوضى والإضراب، مما يهدد المجتمع بالانحلال والانهيار، بل قد يؤدي ذلك إلى العبودية والرق،أي الفقدان التام للحرية، وتلك إشارة إلى التمييز بين الحرية المحكومة بإرادة عامة والفوضى الموجهة بالعبثية.
موقف سارتر: تتحدد ماهية الإنسان كحرية، أي القدرة على اختيار ذاته بما انه مشروع يتخذ قراراته بنفسه وتحمل مسؤوليتها، انه كائن يسبق وجوده ماهيته، بمعنى انه يأتي إلى العالم وبعد ذلك يصنع كينونته وفق شروط معينة تسمح له بالاختيار بين الممكنات، ولا ينفصل هذا الاختيار عن الإرادة التي تجعل الإنسان مسؤولا عن نفسه وعن الإنسانية قاطبة؛ إذ يكون تحقيق رغبة ما أو نزوع معين  تحديدا لصورة تلائم العصر والنوع. يقول سارتر في هذا السياق:" فإذا أردت الزواج – وهذا فعل فري خاص- وأنجب أطفالا، فإنني لا ألزم نفسي فقط بهذا الفعل، بل الإنسانية كلها...". تقترن الحرية إذن بالإرادة بوصفها اختيارا يحدد الماهية الإنسانية المرتبطة بشروط بشرية أكثر من ارتباطها بما هو ثابت وقار. فالحرية لا تتحدد فقط في الاختيار،وإنما في  الفرد لمشروعه الوجودي ،مادام  ذاتا مستقلة تفعل وتتفاعل،أما الإحساسات والقرارات التي يتخذها ،فهي ليست أسبابا آلية ومستقلة عن ذواتنا،ولا يمكن اعتبارها أشياء وإنما نابعة من مسؤوليتنا وقدرتنا وإمكانيتنا على الفعل.
خلاصة: يستدعي كل حديث عن الحرية استحضار الإرادة كمكون أساسي من مكونات الفعل الإنساني مهما اختلفت طبيعته، ذلك أن كل كائن عاقل في حاجة إلى الاختيار بما انه قادر على التمييز، وهو إذ يختار يعبر عن إرادته ويأتي الأفعال بحرية، لأنه لا يختار إلا الخير والحسن والجميل، لكن ألا يجب أن تخضع الحرية إلى قوانين؟
المحور الثالث: الحرية والقانون
الإشكالية: إذا كانت الحرية فعلا اختياريا وإراديا، فإنها تحتاج إلى جملة من الضوابط والمعايير، أليس من الضروري أن تخضع للقانون؟ ألن تصبح مجرد فوضى وعبث؟ ألن يتحول صراع الإرادات حينها من طبيعته التأملية إلى مواجهة دامية قاتلة باسم الحرية؟ وهل يعني خضوع هذه الأخيرة للقوانين أنها نسبية؟
موقف عبد الله العروي: يعرض هذا المفكر المعاني التي تحمل على لفظ الحرية، حيث تتحدد كإمكان أو القدرة على القيام بفعل معين تبعا للرغبة، وفي المعنى القانوني تشير إلى ماهو مسموح به داخل المجتمع ولا يؤدي القيام به إلى عقاب، ومن ثمة فهي مجموع الحقوق المؤطرة بالقوانين والأعراف الاجتماعية، وهذا يعني أن التصرف خارجها يفضي إلى مواجهة مع المجتمع الذي قد يتجسد في العائلة أو الطائفة أو القانون أو الشريعة، وكل محاولة لتخطيها تسفر عن صراع عنيف قد يوسع مجال الحرية أو يضيقه، ومن ثمة تكون دليلا على تقم الطبقة أو المجتمع أو الإنسانية بشكل عام، وبالتالي تظهر مرتبطة بالقوانين غير الثابتة، لتصبح عملية دائمة ومستمرة للتحرر لاتقف عند حد، ولا تستقر على حال، أي أنها نسبية ومتغيرة.


موقف حنا أرندت :ربطت الحرية بالحياة اليومية وبالمجال السياسي العمومي ذلك أن اعتبار الحرية حقا يشترك فيه جميع الناس، يفترض توفر نظام سياسي وقوانين ينظمان هذه الحرية، ويحددان مجال تعايش الحريات. أما الحديث عن حرية داخلية(ذاتية)، فهو حديث ملتبس وغير واضح. إن الحرية، حسب أرندت، مجالها الحقيقي والوحيد هو المجال السياسي، لما يوفره من إمكانات الفعل والكلام، والحرية بطبعها لا تمارس بشكل فعلي وملموس، إلا عندما يحتك الفرد بالآخرين، إن على مستوى التنقل أو التعبير أو غيرهما، فتلك  إذن هي الحرية الحقيقية والفعلية في اعتقادها

موقف مونتسكيو: يرى أن الحرية تحتاج إلى حدود، وليست هذه الأخيرة شيئا آخر سوى القوانين، التي تمنحها معناها داخل الأنظمة السياسية والدول. وقد شكل تعريفها تضاربا في الآراء والمواقف، حتى أطلقها الجميع على النظام السياسي الذي يوافق أهواءه وعاداته، والحال أنها ترتبط في مجال الحكم بمجموعة من التشريعات، التي تجعلها نسبية مقيدة، وفي نفس الوقت تعترف هذه التشريعات بإرادة الأفراد والجماعات فلا تحمل طابعا إكراهيا وقسريا تعسفيا، وليس ربط الحرية بالقانون سوى نتيجة لميل الإنسان الطبيعي إلى إساءة استعمال السلطة. لابد إذن من تقييد الحرية بقوانين وقواعد تضمن النظام داخل المجتمع وتضبط علاقات الناس مع بعضهم البعض.
خلاصة: يتضح مما سبق أن علاقة الحرية بالقانون علاقة وثيقة، حيث سيؤدي الفصل بينهما إلى سيادة الفوضى والعودة إلى حالة الطبيعة ، حيث الحرية المطلقة التي تخول لكل فرد القيام بما شاء حسب قدرته واستطاعته، فالقانون هو الذي يدفع كل واحد من البشر إلى احترام حرية غيره وعدم التطاول على خصوصياته والتعدي على حقوقه. لكن ألا توجد قوانين مجحفة تسلب المرء حقه في الاختيار وتفقده إرادته؟ أليس من الممكن سن قوانين تتحول معها الحرية إلى تفسخ أخلاقي، أو تؤدي إلى اضطراب بعض العلاقات الاجتماعية في أحسن الأحوال؟



                                                                              حظ موفق للجميع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق