من السياسة الى السياسوية
ليست المشاكل الاجتماعية بالقليلة أو اليسيرة
انها بالجملة وحيثما وليت رأيت ، وايسر الطرق لإثبات ذلك خوض السياسة التي تكشف عن
أوجه البؤس و التشاؤم والقلق المترددة في خطابات الساسة بمختلف اطيافهم ومراتبهم ،
حتى صارت السياسة مرادفة لخطاب يحمل عنوان مشكلة، هذه الاخيرة مفتاح لإغلاق باب
الاجتهاد السياسي على فئة محدودة دون اشراك الغالبية العظمى ولو باستقصاء للآراء
أو استفتاءات تسمح باشراك المواطن في اتخاذ القرار، ولما لا نمكن المواطن من
التصويت على القوانين ؟ بل ومن مساهمته في اعداد القوانين واقتراح صيغها، وهذه
عيوب الجهاز المسمى الديموقراطية في العالم كله ، حتى الدول التي تعتبر نموذجا
ديموقراطيا في العالم المعاصر. قد توفرت الوسائل الاعلامية واصبح التواصل بين
الساسة وشعوبهم ايسر واسهل ، ومن المعلوم ان الاعلام من الاجهزة الايديولوجية
للدولة، وبالتالي فقد استعمل منذ ظهوره لنشر وتثبيت مواقف وقناعات ليست بالضرورة
سياسية ، واذا كانت هذه الاخيرة خليطا من الايديولوجي والتاريخي والاجتماعي النفسي
والروحي الفكري، فلابد ان تكون موضع اختلاف وخلاف ومجادلة ونزاع، انها محل الشقاق
والصراع، ومن ثمة كان منطق السياسة منطق سلطان لا برهان؛ انه منطق الغلبة والتفوق
والسيادة والسيطرة، وذلك طبيعي مادامت السياسة كذلك ، ان صاحب السياسة طالب
للرياسة لامحالة وهو متوسل لغايته بكل طريقة، فلا يعيبه اخلاف الوعد أو فلتة لسان
ولا يضيره الاعتزاز والتباهي بالقليل من الاعمال والكثير من الاقوال، ولا يحرجه
التحرر من التراث أو التأول فيه بالرأي والظن، بل قد يفتخر صاحب السياسة بمعاداة
تراثه وتشجع الاوساط العلمية والفكرية له على حمله معاول الهدم وتجنده بالأغاليط
والجدليات لوضع الافتراءات ونشرها، وتزوير الحقائق وتزييفها، ومن المعلوم ان
الصراع السياسي يتخذ طابعا سياسويا حين يرتبط بإيديولوجيا معينة أو بدين، اذ يبلغ
الصراع ذروته لينتقل من الغلبة الفكرية النظرية المذهبية الى غلبة مادية فيزيائية
تروج وتشيع استعمال العنف المادي والرمزي، وذلك ما يلمسه المتتبع للحوارات
السياسية التي وان خلت من العنف المادي في معظمها، فإنها لا تخلو من العنف الرمزي
اللفظي وفي احسن الاحوال غياب اخلاق الحوار وقيم الاحترام الانساني التي تدعوا لها
كل الاحزاب السياسية الرسمية والمعترف بها ، بغض النظر عن الاحزاب العنصرية،
ولعلنا لا نباعد الصواب اذا قلنا بأن كل سياسي اقصائي بالضرورة، مادام لكل حزب
مرجعيته وتصوره وبرنامجه الخاص ، وكل حزب يعتقد انه على حق وأن غيره مخالف وان
تمسك ببعض من تصوراته، وعليه يمكن الجزم بفوضوية السياسة بالمعنى المنهجي والعامي
كذلك؛ بلغنا في الكثير من المجتمعات الاسلامية انفصال الناس ذهنيا عن الدولة،
ودليل هذا الانفصال الامتناع والانقطاع عن الممارسة السياسة، وتدني المشاركة في
الانتخابات والعزوف عن كل ما يرتبط بالسياسة ويمت لها بصلة، بحيث اصبح الفرد
مشغولا منشغلا بالحاجيات اليومية ، بل اصبحت لديه المناعة ضد الارتفاع في الاسعار
وتدني الخدمات التعليمية والطبية –وانخفاض تسعيرة المكالمات والاتصاليات انخفاضا
مهما مقارنة بعقود ماضية، وذلك يطرح الاسئلة الكثيرة- وبات للشباب قدرة على
التعايش مع البطالة أو التبطيل، وغدا أهل الفكر أقدر على تعطيل الفكر من غيرهم،
فاسحين المجال لفئة قليلة العلم بالدنيوي والديني تخلط بين ما لا يمكن ولايصح خلطه
، وامثل المفكرين العرب طريقة يعمل فكره للرد على غيره من المخالفين والمختلفين
خائضين في قضايا نظرية لا يفهمها العوام واذا عرضت عليهم لا يهتمون بها، فصار
العوام اعلم باهل الغناء والتمثيل والمركلة –كرة القدم- اجهل بالفكر والعلم ، من
هنا تنبجس الاشكالية الكبرى لكل مجتمع اسلامي –نعود لتعريف المجتمع الاسلامي في
موضع آخر بعون الله-. لقد تأكد هذا الانفصال الذهني للمواطن عن الدولة في
الممارسات اليومية حيث يشعر الفرد بالغرابة في مؤسسات من المفترض انها وجدت
لمساعدته وحمايته، بل يحس بثقل البيروقراطية التي يسمع عنها ويعيشها لكنه لا
يعرفها، ومن باب الامانة العلمية فان للمفكر المغربي عبد الله العروي حديث مفصل عن
هذا الانفصال الذهني بين الفرد والدولة. اننا امام مفارقة غريبة؛ السياسة تمثيل للأفراد
وهؤلاء لا يشعرون ان السياسة تمثلهم بل انها ابعد الاشياء عنهم، وتنازل الافراد عن
حقوقهم السياسية هو ما فسح المجال لبعض الحركات الشاذة في التعبير عن تطرفها
وزيغها علانية دون احترام لهؤلاء الافراد الدراويش الذين فضلوا مواجهة الحياة
بعيدا عن السياسة إن هذه المفارقة تدفعنا الى القول ان جوهر كل المشاكل الاجتماعية
هو الفرد؛ انه الحرف داخل المكتبة، وان ظهر ضئيلا فانه اللبنة الاولى التي تقوم
عليها كل الرفوف، ولذلك علينا التفكير في الفرد وفي سبل اصلاحه واصلاح معاشه ،
حينها يمكن التطلع الى مشاركة سياسية فعالة ولن تكون مثالية من طبيعة الحال على
اعتبار السياسة فن الممكن أو ما ينبغي أن يكون، واذا افترضنا على سبيل الامكان صحة
هذا الاقتراح يلزمنا معرفة الوسائل والسبل والطرائق التي تسمح بإصلاح الفرد فكريا
ومعاشيا، من الواضح الجلي ان الاصلاح المعاشي للفرد شأن المؤسسات المالية
والجبائية للدولة، والتي يفترض بها ان تقدم المساعدات الخدماتية والمالية لكل
افراد المجتمع حسب وضعهم وحاجياتهم، بمعنى ان تكون الدولة ملجأ الناس في الارض،
أما الاصلاح الفكري فموضع خلاف كبير بين التيارات والمذاهب والاحزاب ولاحاجة
لتدليل على ذلك مادام مشاهدا في الواقع. غير انه من الضروري اجراء استقراء سريع
للمشهد السياسي الاسلامي ، ثم تعود لمقاربات الاصلاح الفكري للفرد.
شهدت اقطار عربية اسلامية رجات عنيفة منذ نهاية القرن العشرين الى يومنا
هذا، فبعد ثورة الشعب الايراني سبعينيات القرن الماضي التي اطاحت بالحكم القيصري
مرسية دعائم دولة شيعية، واجه صدام حسين باسم السنة المد الشيعي كما قاوم الغطرسة
الامريكية بغطرسة مماثلة كانت نتيجته محاكمات وجلسات انتهت بكحم الاعدام، ثم
تلاحقة الاحداث وانفجرت العمارات وتكاثرت الاعتقالات والمداهمات وتجند العالم
لمحاربة الارهاب، فانفتحت بذلك بقع دم جديدة في العالم من فلسطين الجرح العتيق الى
افغانستان والبسنه والهرسك والشيشان، انفجارات واشلاء موت ودماء لا شيء يغطي
السماء، كل القنوات الفضائية مليئة بالدخان، وبعد ان بدأت نار الفتنة تبرد كما
يدعي الحلف الاطلسي الذي سحب اعدادا مهمة من قواته من اقطار اسلامية مضطربة، خرجت
ثورات في تونس دون سابق انذار أو تخطيط من اللوبيات والماسونية كما يدعي البعض، لقد
أكدت الفورة التونسية مقولة الصدفة في التاريخ، انها فورة حيث كانت صرخة ضد الظلم
قادها البسطاء بدافع الحق الطبيعي، ولم تصبح ثورة الابعد دخول المفكرين والمنظرين والديماغوجيين
على الخط فزادوا الوضع سوء وفرقوا ولم يجمعوا بعد ان كانوا في سبات عميق قبل
الفورة التونسية البوعزيزية، وقبل ان نستفيق من نشوة الصرخة التونسية حمل الناس
السلاح في ليبيا وتقاتلوا حتى اسقطوا النظام بأشخاصه ، كان مشهدا بطوليا من سرت
وطبرق وطرابلس رجال يحملون السلاح ويكبرون ويرددون عبارات اجدادهم عندما كانوا
يحاربون الاستعمار، اعتقد الجميع انها الامجاد قد تعود، لكن سرعان ما اقتتل اخوان
الامس ومازال الوضع حرجا الى حدود كتابة هذه الاسطر، وقبل ان يتعظ الناس من الانتفاضة
الليبية اندهشوا لما حدث في مصر وكيف دفعت الاعتصامات رئيس البلاد الى التخلي عن
منصبه والى المحاكمات ثم السجن –وان كان في ذلك حديث يطول- في كل هذه الاقطار الاسلامية لان اغلب مواطنيها
من المسلمين باستثناء مصر بمسيحيها، قد يعترض البعض على هذا التقسيم الديني بدعوى تجاوز
المجتمع المدني لما هو ديني ، فالملحد واللاديني مواطن وله كل الحقوق السياسية
داخل الدولة المدنية ، وان الدولة الدينية مجرد وهم عند العلمانيين والشيوعيين
وغيرهم، وتلك أول قضية تشترك فيها الدول السالفة الذكر، حيث يرى طرف استحالة تحقيق
ما يطالب به الطرف الاخر، بينما يصر الطرف الثاني على طرحه ويتمسك به، انها بوادر
وعلامات صراع على كل الاصعدة، التكفيريون يقتلون النساء المتبرجات وينزلون حدودا
بالناس ما عرفوها أو سمعوا بها، اما لجهلهم بشرع الله تعالى أو لاجتهادات واراء
فقهائهم وشيوخهم، وفي الجهة المقابلة يطالب العلمانيون والاحزاب الحداثية بضرورة
اقامة الدول على اسس ديموقراطية، وجد اسلاميو تونس انفسهم منقسمين بين القبول بالديموقراطية
واللعب على قواعدها، وبين الرفض بل والعداء والتكفير في احيان اخرى، وبين هؤلاء
وهؤلاء ظهر رهط من المتأسلمة يؤولون النص القرآني الكريم كما يؤولون الروايات
الادبية، فهذه دكتورة أدب تروج لعدم وجوب الحجاب في الشرع الحنيف وهي بذلك تعيد
احياء افكار البهائية الغاشمة من حيث علمت أم لا، وكذلك تردد بعض اهواء غلاة
الشيعة في العلاقات الجنسية المثلية اذا توفر فيها شرط التراضي، وما الى ذلك من
الكلام الذي يغثي النفوس، الا يكفي ما يعانيه المجتمع من تفسخ وعري لنشجعه على
المزيد من الانحطاط؟؟ بل خرج دكتور آخر من أرض الياسمين مسلحا بمناهجه الفلسفية
البائدة مدعيا اننا لم نقرأ القرآن الكريم، فيستخدم الجينيالوجيا لهدم المعاني
القائمة لقد دفعه التمسك بجينيالوجيته وتفكيكيته الى الاعتقاد بالتعالي على كل
العقول وبالتالي كل التفسيرات والتأويلات، ونعود للتفصيل في هذه المسألة في مقال
آخر بحول الله وقوته، و الحين نعود الى
مصر التي لا ينكر احد ما لها من دور اقليمي وعالمي يساهم في الحفاظ على التوازنات
الجيوسياسية كما يحلو للبعض أن يردد، فانك ستجدها اسوء حالا من اختها تونس، لان
هشاشة بنيتها الاجتماعية ظهرت بمجرد العزف على الوتر الديني فانقسم المصريون على
انفسهم الى مسلم ومسيحي وفئات اخرى غير محددة المعالم، وطفحت على السطح اعمال
العنف المتبادل باسم العقيدة التي دعت الاول الى الجدال بالتي هي احسن وامرت
الثاني بالتسامح ونبذ العنف، اما الفئة المبهمة فتتغذى من هذه الفرقة داخل المجتمع
المدني، وهي نفس الفرقة التي تتغذى منها المؤسسة العسكرية المصرية التي تسد الفراغ
السياسي الى حين التأم الفتق الاجتماعي؛ ولا تقتصر الفرقة في مصر على المسلم
والمسيحي، بل بين المسلمين صراعات نظرية في العقيدة افرزت مواقف فقهية مزقت
المسلمين فهب بعضهم يكفر بعضا فتقعر الخلاف بينهم وتفرقوا شيعا قددا، فالسلفية في
مصر انقسمت بين مؤيد للخروج وللمشاركة السياسية لضرورة ظرفية ملحة وبين المتمسكين بالأصل
وبعدم الخروج للتظاهر أو المشاركة في السياسة، فمثل هذا الاختلاف يؤدي الى فرقة
ويكبر حجمه الى ان يستحق ويستحل الدماء، والحال انهم اخوان على دين الله موحدون فكان
الاجدر بهم التسامح والعفو والتناصح والتآلف، لكن للسياسة قواعد ترتبط بالسلطة
وبالمصلحة العامة ، عنصران يتم الاعتراض بهما على التعاليم الشرعية التي يؤمن بها
السلفيون مثلا، وبالتالي فعلى المسلم اعتزال الفتنة والسياسة كسعي الى السلطة
والمصلحة، لان المصالح الدنيوية عابرة وليست الدنيا أكبر هم المسلم ومن ثمة لا
تستحق ان يضحي الانسان لأجلها بنفسه وبولده وماله، وقد عيب على بعض الشيوخ السنيين
خروجه مع زوجته واطفاله للتظاهر في مصر، والخصومات بين أهل السنة في العالم الاسلامي
وليس في مصر فقط معروفة لا تخفى على أحد.ان ما يهم من هذا التطويل لهو بيان حالة
التشرذم التي اصابت أهل الاسلام، بينما يحرقون المسلمين في بورما ويذبحون أطفالهم
ويستحيون نساءهم وبلوتهم عظيمة لاوكيل لهم الا الله ونعم الوكيل، يكفر المسلمون في
المشرق والمغرب بعضهم بعضا وفي احسن الاحوال يستهزؤون من بعضهم، وخطورة هذا الوضع المتردي
بين رجال الدين اخطر على افراد العوام من الوضع الاجتماعي أو السياسي المتدهور،
لأن ذلك يؤدي الى ضياع النموذج والمثال الحسن الطيب الورع التقي، فيبرر احد العوام
مثلا سبه لآخر لأنه شاهد شريطا على الشبكة العنكبوتية يسب فيه عالم شرعي علماء
آخرين، ومن ثمة لابد من التأليف بين المسلمين وبين غيرهم لتحقيق سلم اجتماعي أولا
وبعد ذلك تأتي مسائل التشريع وغيرها.
تكاد تكون المقابلة بين الدولة العلمانية والدولة الدينية أحجية يصعب حلها، ولابد لكل صاحب اعتقاد متمسك
بالدولة الدينية ان يواجه صعوبات واكراهات واقعية وتاريخية تحول دون التحقيق
والتطبيق، ومن ثمة يجد نفسه امام احتمالات اربعة: -نزعة تمزيقيه -نزعة تلفيقيه -نزعة توثيقية -نزعة توقيفية؛ أما الاولى فتقبل المشاركة في
السياسة شرط فصلها عن دينه فمادام هو مسلم لا يزني فما حاجته الى تطبيق الحد، واذا
كان بعض المسلمين يأتي الزنى فانه يعاقب بعقاب البشر في الدنيا فيرد الى الله اليه
أمره، ومن ثمة يمكن تعطيل الشرائع الاهية لضرورة ظرفية، وقد يحتج الواحد منهم
بتعليق عمر بن الخطاب رضي الله عنه حد السرقة، أما الثانية فتتحايل على النصوص
القرآنية من جهة الألفاظ والمعاني والتشدق في الدلالات لنفي حكم شرعي وانكاره ،
كالذي انكر الرجم للمحصن بالتحايل على النصوص القرآنية واجتثاثها من سياقاتها
واعادة تركيبها استدلاليا، واستدلاله صحيح صوريا فاسد في المعنى، وقد اسعفته
بلاغته وفصاحته وامتلاكه للمناهج الخطابية والمنطقية في استقطاب عدد كبير من الناس. في حين ان
النزعة التوثيقية هي الحركات الاسلامية التي ترى ان رسالة المسلم في الحياة هي
اقامة الشرع والعمل به، واقامة الخلافة الاسلامية واجب على كل مسلم ولابد من
الجهاد في سبيل ذلك، لتطبيق الشريعة دون زيادة او نقصان، والنزعة الاخيرة أي
التوقيفية فتبتعد بنفسها عن السلطة والسياسة وتجتهد في عبادة ربها واشاعة الخير
والعلم، ولاتحتل مسألة الخلافة حيزا مهما داخل نسقهم الفكري العقدي.
في خضم هذه الصراعات والتشرذمات تضيع الحقائق في لغط الخلائق ويضيع النموذج
وتفقد الثقة في كل الرموز والاشخاص، يوجد الفرد البسيط الذي يحتاج الى مساعدة
الخاصة والنخبة، واذا كان الفرد هو عماد الاصلاح كما سبق وقلنا، فان الطريق الى
اصلاح حاله وفكره يوشك ان ينغلق امام الاذهان، خاصة ان محاولات تاريخية كثيرة جعلت
هدفها هو الاصلاح ان كان سياسيا أو اقتصاديا أو عقديا، والفكر السياسي الاسلامي
العربي مليء بالنظريات والمقاربات والمؤلفات، الاأنه بالإمكان وضع تصور لإصلاح
الفرد كبداية لإصلاح المجتمع، فماهي اهم المقاربات التي يمكن الاعتماد عليها؟
ليختلف هذا الاصلاح الاستقرائي عن المقاربات الصوفية التي تردد نفس الفكرة لكن
بمنظور مختلف لا يؤمن بالمشيخة والكرامات وقدسية الاشخاص والقبور، ان اصلاح الفرد لا
يتم الاداخل جماعة او الفئة التي ترشده وتدله الى كيفية اصلاح الذات، وكل فرد يدل
محيطه الصغير لتتسع الدائرة فنصل الى فئات وجماعات متصلة عقليا وعقديا وقيميا
ووجدانيا رغم انفصالهم المكاني الجغرافي أو المعرفي الاجتماعي، وليس ارساء قيم
موحدة نزعة تطابقيه كما هو حال التوتاليتاريات السياسية التي تجرد الفرد من
خصوصيته بل من كرامته، انها نزعة تآلفية تمكن الفرد من معاملة غيره وكأنه فرد من
اقاربه ودافعه الى ذلك حسن الظن والتعامل المبني على اسس عقدية وأخلاقية موحدة،
يبدو هذا التصور طوباويا لكنه مع ذلك ممكن اذا تجاوز المجتمع خلافاته وتحيز افراده
الى فئات قليلة فأقل، مع وضع الهدف كمشروع يتحقق في الاجيال الصاعدة، ولايتم ذلك
الامن خلال انظمة تربوية محكمة ومالية وعسكرية وسياسية تدعم جميعها اصلاح الفرد من
اجل المجتمع.
ليس الحديث في السياسة بيسير ولا الحديث في الدين أيسر، فما بالك اذا
اجتمعا معا، لابد ان تكون الصعوبة مضاعفة،
يخال الملاحظ العادي بعفويته ان الدين عائق اما السياسة والتقدم والمدنية بل يذهب
الكثير من المثقفين الى تبني هذا الرأي ويدافع عنه كحقيقة مطلقة، وفي تصورهم ان كل
المشاكل تحل بالقطع مع الديني ومجاوزته، ويتغذى معظمهم من فلسفات وجودية الحادية،
لا تستطيع مجاوزة الديني الا لعجز العقل الانساني الذي يتبجح به الملاحدة على
معرفة الحقائق الغيبية، فتجد تصورهم للموت مثلا من السذاجة مما كان، وهو في الغالب
مـأخوذ من ديانة غير سماوية بائدة او من اساطير الحضارات القديمة – سألت أحد
الملاحدة وهو من دولة التشيك عن تصوره للموت، فأحاب وكأنني تائم وأنظر الى دائرة
منيرة-لقد ركب هذا الملحد تصوره للموت من فكرة النور المسيحية وفكرة الدائرة كما
عند اليونان الفراعنة، والدليل القاطع على تهافت الخطابات الالحادية السياسوية
طبعا، انكارهم السطحي للدين ومحاولة تجاوزه بدعوى العقل والحرية، وهم بذلك ينكرون
العقل الذي يؤمنون به لان للدين شرعية تاريخية لا يفكر الا ساذج أو جاهل بالتاريخ
بتجاوزالدين والقطع معه، لا يمكن ان يقوم مجتمع دون عقيدة دينية لان ذلك ممتنع
عقلا متناقض تاريخيا مستحيل واقعيا. الدين اذن لبنة اساسية من لبنات المجتمع وكل
تفكير أو ممارسة لابد ان يستحضر المعتقدات الدينية للمجتمع وان يحترمها، مادام من دعاة الحرية والتحرر، وقد
يعترض بعضهم بمواقف بعض الفلاسفة من الدين كدافيد هيوم الذي صرح انه سبب الصراع
بين البشر أو مواقف ماركس ونيتشه وغيره، فان أقوال هؤلاء لها سياقتها المعرفية
وظروفها التاريخية ولن نقول ان اقوالهم لا تعتد عندنا، لكن نعتبر مواقفهم من الدين
اخطاء معرفية وشبهات عقدية سقطوا فيها سهوا أو عمدا للضرورات السابقة الذكر.الدين
اذن عنصر أساسي لا يمكن الاستغناء عنه بكل المنظومات والأنساق الوضعية مهما بلغت
من الدقة والاتقان والشمولية والكمال. فهل يمكن اصلاح الفرد والمجتمع بالدين؟
الايمكن اصلاح فكر الملحد مثلا بواسطة الدين؟ هل نحاج الى صحوة دينية تعيد
الاعتبار للأبعاد الروحية في المجتمعات الاسلامية.
النفينف رشيد 9-3-2014 البئر الجديد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق