بمِرْقَنَة: رشيد النفينف
تشكل القيم جزء لا يتجزأ من الغايات
الكبرى للمنظومة التربوية، بكل مكوناتها و
إمكانياتها المادية والبشرية، فمن
الطبيعي بناء قيم تشد المجتمع القادر على تحقيق التقدم والرقي، وإرساء دولة الحق
والقانون، واستكمال انتقالها الديموقراطي. بناء القيم في جوهره بناء وعي جمعي،
يتجلى في السلوك وفي علاقة الفرد بعالمه، لذلك تتكامل المواد الدراسية من أجل
تحقيق هذا البناء، بما أنه واحد من مرتكزات الحياة الإنسانية والعيش المشترك، و
مدخل أساسي لتكوين و تأهيل الرأسمال البشري، وبالتالي فإنها أولوية من أولويات
الدولة والمجتمع، تحتل مكانة جوهرية ضمن النقاش العمومي حول المدرسة و أدوارها
الإجتماعية، والثقافية والتأهيلية. التربية على القيم إذن مكون مُهيكِل
لبنية ووظائف المدرسة، من أجل
تحقيق الإدماج الإجتماعي والثقافي للمتعلمات و المتعلمين، و تحقيق تماسك المجتمع.
إلا أن التربية على القيم ليست حكرا على المدرسة وحدها، بل تتحمل الأسرة والإعلام
مسؤوليتهما في ذلك أيضا، من هنا، تتأكد هذه التربية كمشروع مجتمعي، عنوانه التنمية على كل
المستويات؛ فردية و اجتماعية و بيئية. " وطنيا، شهد المغرب مجموعة من الإصلاحات التشريعية والموسساتية، التي
تُوجت بدستور 2011، الذي أفرد لمنظومة القيم المشتركة التي على مختلف مكونات الأمة
التشبع بها و التحلي بفضائلها، عناية خاصة، سواء في ديباجيته أم في العديد من
فصوله، في مقدمتها: ارتكاز الحياة الاجتماعية على قيم الديموقراطية وحقوق
الّإنسان، والحرية والكرامة والمساواة بين الجنسين، والمواطنة
المسؤولة، وتبوأ الدين الإسلامي مكانة الصدارة في الهوية المغربية، والتشبث
بالوحدة الوطنية والترابية، وتلاحم مكوناتها المتعددة المكونات والمتنوعة
الروافد؛ والتشبث بقيم الانفتاح والاعتدال والوسطية والتسامح والإبداع والحوار والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية."[1].
تتضح معالم القيم التي يرنو المشروع إلى ترسيخها، وهي موزعة بين السياسي والأخلاقي والمعرفي والذوقي الجمالي، لذلك تعمل كل مادة مدرسية بنمهاجها ومضامينها على ترسيخ هذه
القيم، في تناغم وتكامل مع باقي المواد، ولعلنا لا نبالغ إذا أكدنا أن للفلسفة
النصيب الأوفر في التربية على القيم، مادامت هذه الأخيرة في صلب مبحث من مباحثها
الكبرى. إن الأكسيولوجيا هي ما يجعل الفلسفة حاملة القيم، ذلك الطب الذي يعالج
أمراض الحضارة، إنها ما يُميزنا عن الأقوام المتوحشين، على حد تعبير روني ديكارت René Descartes ، وهي المعرفة الناشئة عن العقل كما أكد فرانسيس
بيكون Francis Bacon ، بل جعل منها جون لوك
John Locke دراسة للعقل البشري، وقد سبق لسقراط Socrate أن حددها كبحث عقلي عن حقائق الأشياء المؤدية
إلى الخير، كما تبحث في الكائنات الطبيعية وجمال نظامها، و مبادئها و علتها
الأولى. حضور العقل والخير والجمال في
تعريف الفلسفة، أكبر دليل على تموقعها في لب إشكالية القيم، ناهيك عن تخصيص مبحث
من مباحثها لدراسة تلك الإشكالية، كما سلف الذكر، ولا يعني ذلك أن الفلسفة تكفي
غيرها من المواد المدرسية، أو تعفيها من مهمتها في ترسيخ القيم، كما أن مدرس
الفلسفة ليس الشخص الوحيد، الذي يتحمل هذه المسؤولية، وإن كان في طليعة أولئك
الذين يعملون على استنباتها، والتأصيل لها. يقول محمد الدريج:" الملاحظ أن
عملية البناء القيمي ليست مسؤولية مؤسسة اجتماعية بعينها، ولكنها مسؤولية كل من له علاقة
بعملية التربية"[2].
إذا كان ذلك كذلك، فإن مدرس الفلسفة سيكون دونكيشوطيا، ما لم ينخرط الجميع في هذا
المشروع المجتمعي والمصيري. فكيف يمكنه المساهمة في إنجاح هذا المشروع من موقعه؟
وماهي الطرق الديداكتيكية التي بمقدوره توظيفها لأجل هذه الغاية؟ وما موقع
التربية على القيم الجمالية داخل الممارسة الفصلية؟ كيف يمكن للتربية على القيم
الجمالية أن تكون تربية على جميع القيم؟
معلوم أن التربية على القيم مشروطة ليس
بتعميمها لتشمل كافة المواد المدرسية فحسب، بل لتشمل كل الأسلاك التعليمية، مما
يعني أنها سيرورة إتصالية تراكمية، يُكمل فيها اللاحق السابق، وأذا كانت التربية
على القيم الجمالية حاضرة في السلك الإبتدائي والثانوي الإعدادي، من خلال التربية
الفنية، سواء أكانت تشكيلا أو موسيقى، فإن السلك الثانوي التأهيلي يشهد فراغا من
هذه الناحية، اللهم إذا استثنينا الشعر والخطابة والرواية، في مادة اللغة
العربية، ودرسا يتيما حول الفن لتلاميذ الشعب الأدبية للسنة الأولى من سلك
باكالوريا، تُستثنى منه الشعب العلمية. ذلك ما يثير الكثير من علامات الإستفهام،
خاصة وأن التربية الجمالية تعمل على تهذيب الذوق والسلوك معا، كما تثري الخيال و
تحفز الإبداع، الذي يحتاجه المتعلم الأدبي والعلمي على حد سواء. تماما مثلما يكون
الطبيب والبيولوجي في حاجة إلى البيوإتيقا، يحتاج الأديب والفقيه والمحامى والصحفي...لأخلاقيات
الإعتقاد، وجميعهم في حاجة إلى ملكة الخيال، التي تمكنهم من الإبداع، كل في مجاله،
و التي تجعل غاياتهم نبيلة وأهدافهم سامية، يبرز تميز الفلسفة عن غيرها من
التخصصات في تناولها للقيم الأخلاقية مثلا؛ فهناك العديد من المواد المدرسية التي
ترسخ القيم الأخلاقية، لكنها لا تتجاوز مفهومها العام، أي العلاقات الذاتية والبينذاتية المنضبطة لقواعد معيارية تحدد السلوك. لكن عندما يتعلق الأمر بالقيم
الجمالية، التي تخصها هذه الورقة دون غيرها بالتحليل، فإننا نجد الفلسفة متفردة
بتناولها والإهتمام بها. هذا ما يؤهل مدرس الفلسفة للعمل على ترسيخها في السلك
الثانوي التأهيلي، رغم الصعوبات الجمة التي تواجهه، بداية بالصعوبات المرتبطة بما
هو ذاتي وموضوعي، خاصة أن المناهج الملازمة والخفية والشبحية، تزاحم المنهاج الرسمي وتنتصب
عوائق، لا مناص من تجاوزها، وصولا إلى الإكراهات المادية المتصلة بتوفر بالوسائل
البيداغوجية.
رغم محدودية المضامين النظرية المرتبطة بالقيم
الجمالية، فإن الكتب المدرسية تعج باللوحات التشكيلة، أولها تلك التي تزين الغلاف،
والتي تشكل منطلقا متميزا لبناء الدرس الفلسفي؛ فلوحة "مدرسة أثينا"
على غلاف "منار الفلسفة" الخاص بالجذع المشترك مثلا، أفضل مدخل لدراسة
مادة جديدة، توحي في العادة بالغموض والتعقيد، ذلك ما يبدده الإنطلاق من الغلاف،
لإنه يضع المتعلمات والمتعلمين أمام وضعية لم يسبق لهم معايشتها، مكتشفين لأول
وهلة تميز المادة الجديدة، إذ يُكلف كل واحد منهم مسبقا بالبحث عن معلومات حول هذه
اللوحة، وعن مُبدعها سانزيو رافائيل RaphaëlS.، فكانت النتيجة أن
تعرفوا على عدد من الفلاسفة، كما اكتشفوا أسماء موجدة في اللوحة مألوفة لديهم، في
الرياضيات والفيزياء، وأحيانا أسماء مؤسسات درسوا بها سنوات ثلاث، دون معرفة أنها تحمل اسم فيلسوف[3].
من تأمل الأزياء اكتشفوا أن اللوحة تجمع فلاسفة وشخصيات تاريخية، من عصور متباعدة
تفصل بينها مسافات مقفرة، كما استنتجوا ارتباط الفلسفة بالحوار والنقاش، وأدركوا
مكانة الفن وعلاقاته بالمعرفة، وقدرته على تبليغ الأفكار بسهولة وسلاسة، والأهم من ذلك تفاعلهم النشيط مع أسئلة المُدرس المُوَجِّهة، وتأملهم المطول للوحة
الذي يشي بتذوقهم للعمل الفني، مما يضعنا أمام ضرورة استثمار هذه الدعامة
البيداغوجية الثمينة، والذي يُعتبر إغفالها تفويتا للحظة تربوية، تمثل فرصة بناء
علاقة وجدانية مع المعرفة عامة، والفلسفة خاصة، أي علاقة الحب التي اشترطها
أفلاطون في التعلم.
الفن ظاهرة لازمت الحضارة الإنسانية منذ فجر
التاريخ، بما أن الميل إلى الجمال طبيعة إنسانية، فلا يمكن تصور الإنسان دون لذة
جمالية، رغم أن الجمال قديما لم يكن خلال مراحله الأولى غاية في ذاته، بل ارتبط
بطقوس دورية من أجل زيادة الزرع و النسل، أو من أجل التأهب للمعارك والغارات والصيد، كما اختلط بالسحر من أجل
التأثير على الواقع، وبالدين بغية استرضاء الآلهة؛ كان جمال الفتاة ضروريا لتكون
قربانا في مصر القديمة مثلا. كانت قيمة الجمال مرتبطة بهذه الصفة العملية، التي لم
تقتصر على الفن وحده، بل طالت كل النشاطات الإنسانية في العالم القديم، بهدف خدمة
الحياة. لكن المرحلة اليونانية كانت أكثر تفاعلا مع الفن والقيم الجمالية، حيث
حاول الفلاسفة حينئذ تفسيرها وتحديدها، فكان الإختلاف في المواقف والأطروحات سيد المرحلة؛ هذا أفلاطون يقف ضد
النزعة الحسية اللذية في الفن لجورجياس، والتي قادت الناس إلى اللذة عوض الخير، وبالتالي فهو فن خال من الجمال و الخير والحقيقة. يقول سقراط في محاورة فيدون:
" إن الفلسفة هي أسمى أنواع الموسيقي"، لقد أعجب هذا الفيلسوف بإنتاج
العقل في الفن، فحاور فناني عصره متتبعا آثار ذلك العقل في نفوسهم، لكنه خرج من
ذلك بقناعة أن الشعراء لا يعقلون ما يقولون، والنحاتون والرسامون يكتفون بجمال
المظهر، ولم يهتم الفنانون حينها بالتعبير عن إنتاج الخير، بقدر ما اهتموا ببعث
اللذة في جمهور المتذوقين. لا يمكن إذن إنكار القوة التأثيرية و التوجيهية التي
لعبها الفن قديما، تعبر أسطورة بيغماليون Pygmalion[4] عن هذه القوة التأثيرة، القادرة على قلب وجدان
الإنسان رأسا على عقب. تتضح من هذه العودة القهقرى إلى اليونان، تلك الوشائج
القوية بين القيم الجمالية وغيرها من القيم، سواء أكانت عقلية معرفية أو أخلاقية
سياسية سلوكية، ومن ثمة يمكننا فهم أهتمام الفلاسفة بالفن وبالظاهرة الجمالية،
منذ سقراط وصولا إلى نيتشه و هايدغر وكاسيرر، وغيرهم كثير.
توجد القيم الجمالية إذن، في صميم الفكر
الفلسفي، و في قلب الممارسات البيداغوجية و الديداكتيكية، لذلك سنحاول في الفقرات
التالية بناء درس فلسفي أنطلاقا من عمل فني، من أجل استخدامه كدعامة بيداغوجية، لا
نعيرها اهتماما في العادة، وكذلك بهدف إثارة الإنتباه إلى قيمة الجمال، ليس في
الحياة وحسب، بل أيضا في بناء
المعرفة وتوجيه السلوك وتهذيب الذوق، لأن اللذة التي نحس بها حين نتأمل الجميل،
لذه تأملية خالصة، يقول أيمانويل كانط E. Kant : " لأن ملكة
الحكم التأملية وحدها هي التي تستخدم هذه الفكرة كمبدأ، وبغاية التأمل وليس
التحديد؛ وهكذا فهذه الملكة هي التي تعطي القانون لذاتها، لا للطبيعة"[5]،
إن التجربة الجمالية حسب هذا الفيلسوف تقوم بين عالم الإرادة الأخلاقية، وبين
عالم الطبيعة. أما هيجل فقد بدأ بحثه في الجمال من الفكرة والمثال، مؤكدا أن مهمة
الفن هي التعبير عن الروح المطلق، كما قدم فلسفته في الجمال على أساس فلسفته في
تحقيق الفكرة، يقول:" فإن كانط وهو يتناول الجميل يتمسك بشدة بأنه يجري إدراكه
بدون مفهوم على أنه موضوع البهجة الضرورية. إن الضرورة مقولة تجريدية وهي تشير
إلى علاقة جوهرية باطنية للطرفين؛ إذن من جراء اللأول يكون الآخر كذلك."[6].
ليست القيم الجمالية ذوقية فقط، بل لها أبعاد تأملية وفكرية وأنطولوجية و
اجتماعية، ذلك ما يفسره تناولها الفلسفي، إلا أن المسألة الأسس في هذا المقال، هي
إمكانية بناء درس فلسفي انطلاقا من هذا الزخم الأنساني الذي يحويه الفن، وعلى تلك
الروابط الباطنية للجميل بالجليل، وبالحقيقي، وبالخيِّر.
لتتضح هذه الرؤية التي تهدف إلى التربية على
القيم الجمالية، من خلال استثمار الأعمال الفنية التي تتضمنها الكتب المدرسية
لمادة الفلسفة، من الواجب تحديد الوسائل الديداكتيكية الكفيلة بتحقيق ذلك، ولعل الوصف
المقتضب للإشتغال على لوحة غلافالكتاب المدرسي الخاص بالجذوع المشتركة، قاصر على
تشكيل نظرة وافية لهذه الممارسة، لذلك نتناول نموذجا تطبيقيا لدرس ينبني على أثر
فني، ويحقق الكفايات المنشودة ، والأهداف
النواة في الفلسفة. يمكن إذن، بناء المفهوم و الأشكلة انطلاقا من عمل فني، كما
يمكن الإشتغال على الحجاج، إذا كان هذا العمل من جنس الأدب، كالرواية و القصة والشعر. غير أن الرهان هنا هو تحقيق هذه
الكفايات المنهجية، أنطلاقا من عمل فني تشكيلي، أي بالإنتقال من الوثيقة النصية
المألوفة لدى المتعلمات والمتعلمين، إلى الوثيقة اللانصية التي يعرفها التلاميذ
في عدة مواد دراسية، كالصور التاريخية أو الخرائط الجغرافية أو الرسوم العلمية...
لكنهم لا يتعاملون معها في الفلسفة رغم وجودها في كتبهم المدرسية. إن هذا الإنتقال
بالنسبة إليهم هو قطيعة مع النص، ومع اللغة الطبيعية بصرامتها و ثقلها، في واقع
يشهد ممانعة متزايدة للمقروء. غير أن مهمةالوثائق اللانصية هي التشجيع على
القراءة، والإقبال على النصوص باهتمام رغم استبداد الصورة بعالمنا المعاصر.
سيكون منطلق درس
الغير لوحة الفنان الفرنسي روني ماغريت R.Magritte، التي تحمل عنوان: المرآة المزيفة[7] le faux miroir يتعلق الأمر
إذن بمفهوم الغير من مجزوءة الوضع البشري، وببناء المفهوم والأشكلة أنطلاقا من
اللوحة، و ذلك من خلال الخطوات و الإجراءات التالية:
·
قراءة نص الوضعية المشكلة.
·
تأمل اللوحة.
·
استخراج المضامين و المحتويات.
·
التعبير عن الأحاسيس و المشاعر التي ولدتها
اللوحة لدى المتعلمات و المتعلمين.
·
استخراج الدلالات بتأويل المضامين.
·
تسجيل انفعالات و أفكار التلميذات و
التلاميذ.
·
كتابة فقرة في أربعة أسطر على الأقل مترابطة
الأفكار إنطلاقا مما تم تسجيله.
·
قراءة أكبر عدد من الفقرات في مدة لا تتجواز
15 دقيقة.
·
توجيه أسئلة تنتقد مضمون بعض الفقرات، ويستحسن أن يختار الأستاذ بداية السنة إنجازات التلاميذ المتميزين، ويحفزهم للدفاع عن الأحاسييس والأفكار التي تم
اختيارها، مع الحرص على أن يكون النقد للأفكار، ثم يمكن
تعميم الإجراء على كل الأنجازات، حيث يتم التركيز على المتعلمات والمتعلمين،
الذين يواجهون صعوبات.
·
استخراج الأبعاد التي يحيل إليها المفهوم (
الأنطولوجي- المعرفي- العلائقي).
·
التساؤل عن العلاقات الممكنة للمفهوم
بأبعاده: ما طبيعة وجود الغير؟ هل يمكن معرفته؟ و كيف تتحدد العلاقة معه؟
·
لابد من استثمار مكتسبات المتعلمات والمتعلمين القبلية، وفق الطرق التنشيطية أثناء القيام بهذه الأجراءات.
حين قرأ روني ماغريت
كتاب: " الكلمات و الأشياء" سنة 1966 ، راسل ميشيل فوكو M .
Foucaultالذي كتب مقالة بعنوان هذا ليس غليونا[8]،
وهي نفس العبارة المكتوبة على لوحة: خداع الصور trahison des
imagesla التي رسمها سنة 1928، وقد تناول
فوكو مسألة فلسفية ترتبط بالمعنى في وضعية بيداغوجية بين معلم و تلاميذه، و كان من
بين نتائج مقالته ارتباط القيم الجمالية بقيم أخلاقية و سياسية، كالحق في القول إن
غليون اللوحة ليس غليونا. ليس اختيار لوحات ماغريت عامة، ولوحة: المرآة
المزيفةخاصة، اختيارا عشوائيا، أو غاية لذية صرفة، فسريالية هذا الفنان مشبعة
بالفكر والفلسفة، هي سبب حضور أعماله في الكتاب المدرسي الخاص بمادة الفلسفة، أي
أن لها حضورا وظيفيا لايجب إغفاله أو التنكر له. المرآة المزيفة ومفهوم الغير أية
علاقة؟
تمثل اللوحة عينا تنعكس عليها سماء بسحب
منثورة، العين في حد ذاتها موضوع مهم جدا،
إضافة إلى أن هذه العين اللاشخصية تحيل
على النظرة التي يفرضها هذا العضو، وهي النظرة التي يخفي القماش، وتحدد شرط
الفرجة و المشاهدة. النظرة التي تضع المشاهد في نزال نظرات،و تدفع إلى التفكير في
نظرته الخاصة، وفي علاقته بالموضوع الآخر أي اللوحة- النظرة، لتضع الناظرة إليها
أمام ذاته الغائبة في النظرة الموجهة إليه؛ يفترض أن تنعكس صورته على بؤبؤ عين
اللوحة، و ليس السماء الزرقاء بسحبها، فهذا ما يجعلها مرآة زائفة ونظرة زائفة،
اللامكان الذي تقترحه على المشاهد يفتت فضاءه، ويشرط وجوده الخاص. لكنها مجرد
صورة خادعة، تماما مثلما هو حال الغليون.
الهيكلة الخاصة
للدرس:
مراحل الدرس
|
الكفايات-القدرات
و المهارات
|
سير الدرس-الأنشطة و المحتويات
|
الدعامات البيداغوجية
و الوسائل
|
السقف الزمني
|
استخراج التمثلات و
الاشتغال على دلالات العامية.
|
-القدرة على القراءة
-القدرعلى الملاحظة
-القدرة على التخيل و التجريد
-كفاية ثقافية:
استدعاءمعارف رافدة
للفكر الفلسفي.
تنمية القدرات
الخيالية الإبداعية
-كفايات منهجية:
تنظيم العمل و التفكير
اكتساب آليتي المفهمة
و الأشكلة و أدوات تفكير أخرى.
-كفايات تواصلية:
الإصغاء و التعبير
الشفوي و الكتابي.
-كفايات استاراتيجية:
|
- قراءة الوضعية المشكلة
ص27
-وضعية الأنا المفكر.
-استقلالية الذات
-التساؤل عن دلالة
الغير
- تأمل لوحة فنية:
- المرآة المزيفة ص27.
- الملاحظة
- التعبير الكتابي
- التعبير الشفوي
وصف للمضامين
و الأحساس التي ولدتها
اللوحة:الغرابة، المراقبة الخوف، الشر، الغموض، الضيق...
|
-الكتاب المدرسي منار
الفلسفة السنة الثانية من سلك الباكاروليا مسلك الآداب و العلوم الإنسانية.
- السبورة: تسجل عليها
إجابات التلاميذ، ليعاد تجميعها من طرفهم بشكل فردي.
|
25 دقيقة
|
التجريد الدلالي اللفظ
|
-القدرة على مراجعة
المعرفة العامية
-القدرة على الفهم
-القدرة على تحديد
دلالة اللفظ اللغوية.
-القدرة على فهم دلالة
اللفظ الإشتقاقية.
-القدرة على التعبير
الشفوي
-إدماج كفايات متنوعة.
|
-اختيار جواب و تبريره
:
-ما هو المشترك بين
العبارت التالية:
-زيد غير عمرو
-كانت الظروف غير ما
هي عليه.
-شخص لطيف، غير أنه
انطوائي.
-أحداث غير متوقعة.
- يصعد اللفظ الفرنسي autrui
إلى الأصل اللاتيني alter و تعني الآخر المختلف.
|
- السبورة: تسجل الأجوبة
التي يقدمها التلاميذ على جدول من خانات ثلاث:( النفي- الإستثناء- الإختلاف).
كتابة الدلالة الاشتقاقية.
-الكتاب المدرسي:
الوضعية المشكلة ص 27.
|
10 دقائق
|
بناء المفهوم و ابراز
المفارقات و الإحراجات
|
-القدرة على تمييز
المفاهيم الفلسفية.
-القدرة على تشغيل
آلية تكوين المفاهيم الفلسفية.
-القدرة على تحليل
المفهوم الفلسفي
|
- التمييز بين الآخر و
الغير.
-إدراك ارتباط تحديد
الغير بالذات و الأنا
-استخراج أوجه التناقض
و التضاد و التشابه بين مفهوم الغير و مفهوم الشخص.
|
-السبورة
-الكتاب المدرسي:
تقديم الباب الثاني ص 26.
|
10 دقائق
|
طرح الإشكالية
|
-القدرة على التساؤل و
المساءلة
-القدرة على صياغة
أسئلة منظمة و متسلسلة
- القدرة على التعبير
شفويا و كتابيا.
-القدرة على وضع
الدلالات المختلفة موضع تساؤل
-دمج كفايات متنوعة:
منهجية- تواصلية- ثقافية.
|
-التساؤل انطلاقا من
مفارقة المختلف و الشبيه في الأن ذاته، حول وجود الغير و معرفته و العلاقة معه.
-كيف يتحدد وعي من
خلال الغير؟
-هل يمكن معرفة الغير؟
-ماهي العلاقة التي
تربطني به؟
|
-السبورة
|
15دقئقة
|
لابد من التأكيد على ضرورة اتخاذ العمل الفني
وسيلة لتحفيز التلاميذ على التفكير، وعلى التعبير والإختيار،وعلى التواصل وفق مبادئ
تحمل المسؤولية والإحترام والإنفتاح على الغير. وتبقى الطرف النشيطة و التفاعلية
الأقدر على تشغيل التلاميذ انطلاقا من العمل الفني، سواء أكان تشكيليا أو سينيمائيا،
إذ تشكل الأفلام القصيرة مادة دسمة، وأرضية صلبة للإنطلاق نحو إشكاليات وتصورات
فكرية وفلسفية عميقة، كما تمثل مناسبة لبناء الكفايات التكنولوجية؛ فشريط identity
[9] مثلا، وهو فيلم قصير مدته خمس دقائق، يصور مؤسسة
تعليمية يضع كل طلابها أقنعة مختلفة الألوان على وجوههم، لكن فتاة تصغي لأستاذ
الفلسفة يتحدث عن أمثولة الكهف، وهي تشاهد رسوما لأشخاص بدون ملامح،ولأستاذ يشرع
بنية السلطة داخل المجتمع، من خلال شطرنج قطعه زجاجية، و تنزع القناع لأنها وجدت نفسها،
لكن محيطها المدرسي كان مصدوما من فعلها. فهذا الشريط دعامة بيداغوجية متميزة؛ إذ
كان تفاعل المتعلمين مع الأفكار الضمنية أو الصريحة في الشريط مثيرا للإهتمام، حيث
طلبوا وبإجماع إعاة مشاهدته مرة أخرى، فوجدو أنفسهم في صلب الإشكاليات المرتبطة
بالشخص، سواء ما تعلق بالهوية أو بالحرية أو بالقيمة.
تجدر الإشارة ختاما، إلى أن الهيكلة المقترحة
أعلاه مجرد خارطة طريق، توجه الأنشطة المبرمجة
وتنظمها، ضمن إطار حواري ينزع إلى السقراطية، التي تسمح للأستاذ بخلق
العوائق أمام المتعلمين، ويحفزهم على تجاوزها، في عملية بنائية مترابطة الأركان،
يتحقق فيها العمل الجماعي و التفكير المشترك. من هنا، يجد الأستاذ نفسه أمام أجوبة
و أسئلة غير متوقعة، تدفعه إلى التفلسف أمام المتعلمين، مما يكون له الأثر
الإيجابي على العملية التعليمية التعلمية في مادة الفلسفة. لا ينطبق هذا الوضع على
الأعمال الفنية، أو ما يمكن تسميته بالوثائق اللانصية، لتمييزها عن غيرها من أشكال
التعبير الفني، التي تتوسل باللغة الطبيعية و بالكتابة، بل يسري على النصوص فلسفية
كانت أو أدبية، لكن الفرق بينها يكون في غزارة الأسئلة و جرأة المتعلمين على
التفكير، بما يفسحه العمل التشكلي أو السينمائي أمامهم من أمكانيات أرحب للتفكير والتخيل و الإبداع. إن استثمار الأعمال الفنية في تعليم و تعلم الفلسفة رهين
بامتداداته داخل المؤسسة التعليمية، وذلك من خلال دمج المضامين المعرفية في أعمال
فنية، ضمن الأنشطة الثقافية والأندية؛ تفعيل نادي السينما وتأسيس نادي خاص
للسينما الفلسفية، وتنظيم ورشات للكتابة والمسرح كأنشطة موازية... أدوات ووسائل
يمكنها أداء أدوار تعليمية وتربوية، تقع في صميم التربية على القيم كافة انطلاقا
من القيم الجمالية.
[1] المجلس الأعلى للتربية و التكوين و البحث
العلمي، التربية على القيم بالمنظومة الوطنية للتربية و التكوين و البحث العلمي، ،
يناير 2017،ص 4-5.
[2]الدريج محمد، المدرسة و دورها في التربية على قيم
المواطنة و مبادئ السلوك المدني، دفاتر التربية و التكوين،العدد 5 ، شتنبر 2011، ص
57.
[3] الثانوية الإعدادية
أبو نصر الفارابي
[4] نحاث يوناني كان يكره النساء، فنحث تمثالا
لامرأة من عاج و أغرم بجماله، فزينه بالثياب و الحلي، ثم تضرع لأفروديت لتنفخ
الروح فيه.
[5] كانط ايمانويل، نقد
ملكة الحكم، ترجمة سعيد الغانمي، منشورات الجمل، الطبعة الأولى، 2009، ص 101.
[6] هيجل فريدريك، علم
الجمال و فلسفة الفن، ترجمة مجاهد عبد المنعم مجاهد، مكتبة دار الكلمة، الطبعة
الأولى 2010، ص 109.
[7] منار الفلسفة السنة
الثانية من سلك الباكالوريا مسلك الآداب و العلوم الإنسانية، مجموعة من المؤلفين،
طبعة 2013، ص27.
[9]Identity ,
written and directed by : kj Adames. https://www.youtube.com/watch?v=gUn0iOs-HNw
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق