الأستاذ: رشيد النفينف
الحق و العدالة
الحق لغة
الواجب و الثابت، نقول أوجب الأمر أي أثبته، أما في الاشتقاق فتصعد الكلمة
الفرنسية droit و الإنجليزية right إلى الجذر اللاتيني rectus و تعني السير في خط مستقيم.
اصطلاحا الحق
هو ما تسمح به القوانين و الأخلاق و
العادات بفعله. كما يمكن التمييز بين الحق الوضعي الذي تنص عليه القوانين المكتوبة
و العادات الثابتة، و الحق الطبيعي الذي يشير إلى ما يُمنح للفرد بوصفه ملازما
للطبيعة الإنسانية. والحق مقابل للواجب.
العدالة لغة هي القصد في الأمور و هي ضد الجور،
و تشير إلى الاستقامة و ترادف القسط، وإن كان هذا الأخير أكثر ظهورا، و قابلية
للتحقق كما في المكاييل و المقاييس.
أما اشتقاقا فاصعد
كلمة justice إلى الجذر اللاتيني iustitia وتعني
المطابق للحق.
العدالة
اصطلاحا ملكة في النفس تمنعها عن الرذائل و تحملها على الفضائل، و يقال أنها
التوسط بين الإفراط و التفريط، و هي أن يعطي المرء ما عليه ويأخذ ما له، كما تدل
على الخضوع لسلطة القانون مع احترام كرامة الفرد.
يقول برودون: من تعريف العدالة نشتق تعريف
الحق والواجب. فالحق هو، بالنسبة لكل
واحد، ملكة إلزام الآخرين باحترام الإنسانية الماثلة في شخصه.
الوضعية المشكلة
يبدو الترابط
وثيقا بين الحق و العدالة في الدلالة الاشتقاقية، لكنه يتخذ دلالات تبعده عنها على
المستوى الاصطلاحي، كما أن العدالة تفقد ماهيتها في ارتباطها بالحق، الذي قد يكون
مبنيا على القوة، مما يدفع إلى التساؤل حول ماهيتها، لكن قبل ذلك،ما هو أساس الحق؟
هل يمكن التمييز بين حقوق طبيعية متأصلة في الإنسان و أخرى غير طبيعية؟ وهل
العدالة أساس للحق أم مظهر من مظاهره؟ و ما هي علاقة العدالة بالقانون؟ و كيف تتحدد ماهيتها؟
المحور الأول: الحق بين الطبيعي و الوضعي
المفارقات
حق طبيعي# حق وضعي
الفطرة و الغريزة # الثقافة و الاكتساب
حق القوة # قوة الحق
عدالة طبيعية # عدالة تعاقدية
الإشكالية
ما هو أساس
الحق و أصله؟ أهو فطري طبيعي أم ثقافي مكتسب؟ هل ينبني على قانون الطبيعة أم على
مبادئ العقل؟ و ما هو الفرق بين حق القوة و قوة الحق؟ بأي معنى يكون مطلقا؟و كيف
يصير مقننا؟ و هل ترتبط العدالة بالحق
الطبيعي أم الوضعي؟
الحق الطبيعي
حسب هوبس هو ذلك الوضع الذي عاشه الإنسان في حالة الطبيعة، حين سادت الحرية
المطلقة، و استحكمت حالة حرب الكل ضد الكل. لكن الحق الوضعي هو اكتشاف العقل
لضرورة التنازل عن تلك الحرية المطلقة، من أجل الحفاظ على سلامة وأمن كل فرد ضمن توافق اجتماعي، هو
نتيجة التعاقد الذي ينطلق من الحق الوضعي لينتهي إلى سيادة مطلقة للدولة.
يؤكد سبينوزا فطرية الاجتماع لدى الإنسان، لذلك
فإنه يعتبر حالة الطبيعة تهديدا لحياة الإنسان
و بقائه، مما يدفعه إلى تأسيس الحق على مبادئ العقل، وليس على قانون
الطبيعة حيث يأكل القوي الضعيف.
كانت حالة
الطبيعة بالنسبة لروسو حالة من السلم المطلق. لكن التغيرات التي طرأت على حياة
الإنسان فرضت عليه الدخول في علاقات اجتماعية انتهت إلى تعاقد يحفظ لكل طرف حقوقه،
وينقل الإنسان من حق القوة المبني على القدرة الفيزيائية، إلى قوة الحق المبنية
على سطوة القانون.
خلاصة
مجمل القول، إن
الحق لا يمكنه القيام على القوة الطبيعية التي يتمتع بها الإنسان، بل يتأسس على
قوة القانونين الوضعية، التي تجسدت في الدولة الحديثة المبنية على أساس تعاقدي.
الحق الوضعي إذن حق مُقنن وقطيعة مع الحق الطبيعي. فهل يضمن الحق الوضعي تحقيق
العدالة؟
المحور الثاني: العدالة أساس للحق
المفارقات
الحق أساس للعدالة # العدالة أساس للحق
عدالة مطلقة # عدالة نسبية
بعد أخلاقي # بعد قانوني
الطبيعة الإنسانية # المؤسسة
الإشكالية
إذا كانت
العدالة في بعض دلالاتها نقيضا للظلم و حفاظا على الحق، فإنها في دلالات أخرى تشير
إلى معاني التوسط و الفضيلة، مما يجعل لها بعدا أخلاقيا كونيا. فهل تؤسس العدالة للحق أم أن هذا الأخير هو الذي يؤسسها؟ وهل
العدالة التي يطالب بها الجميع مطلقة أم نسبية؟ وبأي معنى يكون لها بعد أخلاقي
يتجاوز أبعادها القانونية باعتبارها قيمة؟
شيشرون Cicéron 106 – 43 ق.م: يؤكد أن الحق لا يقوم على القوانين، والمؤسسات التي لا يمكنها ضمان
الحفاظ عليه، لذلك لا بد من البحث عن أساس الحق في الطبيعة الخيرة للإنسان،
فالعدالة فضيلة تتميز عن المنفعة، بما أنها مبنية على الحب و الاحترام. ليست
العدالة هي ما يؤسس للحق، بل الطبيعة العاقلة و الخيرة للإنسان.
إميل شارتيي –
ألان Émile- Chartier: يؤكد
الارتباط الوثيق بين الحق والعدالة، حيث لا يمكن للأخيرة التحقق إلا بوجود
الأول، ورغم أن السلطة تعزز الحق ، ويخضع
الناس في حالة غيابها إلى الأمر الواقع، أي إلى ما يفرض نفسه بقوة غير قوة القانون
والعُرف، فإن الحق يقوم بمنأى عن تدخل
السلطات اعتمادا على أشكاله المتعارف عليها، من هنا يكون الحق مُؤسسا للعدالة، بما
أنه قائم على المساواة، وهذا يؤدي إلى انتفاء أي مبرر للامساواة.
فريدريك فون
هايك: إن قيام الحق على العدالة هو ما يمنح صفة الإلزام التي تفرض على الجميع
احترامه، مما يؤدي إلى الحفاظ على مجتمع تسوده الحرية، لذلك لا بد أن تستند القوانين
لقواعد العدالة لتكون منظومة شرعية تنظم العلاقات داخل الدولة الحديثة.
يميز أرسطو بين
عدالة توزيعية و عدالة تعويضية، لكنهما تخضعان لتناسب رياضي يكفل الحقوق لأصحابها،
فالعدالة فضيلة أخلاقية و توسط و اعتدال و
هي التي تؤسس للحق وتحدده، لذلك فإنها
نقيض للظلم باعتباره رذيلة.
إن ما يؤسس
للحق حسب سبينوزا هو العدالة، فلا وجود
للحق بدون عدالة و قوانين الدولة، فليست العدالة شيئا آخر سوى إعطاء الحقوق
لأصحابها وفق القوانين المدنية. أما الظلم فهو سلب حقوق الأشخاص بخرق تلك القوانين.
المحور الثالث: العدالة بين المساواة و الإنصاف
الإنصاف
استيفاء الحق و رفع الظلم ودرأ الاعتداء، ويدل على الحكم العادل الصادر عن احترام
روح القوانين و ليس عن التطبيق الحرفي لها.
المفارقات
العدالة # اللامساواة
الخطأ القانوني # الإنصاف
المساواة # المساواة الجائرة
المتعة # الضرورة
شأن خاص # شأن عام
الإشكالية
إذا كانت
العدالة حفاظا على القانون، فإنها قد ترتكب الأخطاء أثناء تطبيقه، فهل تقوم
العدالة على المساواة أم على اللامساواة؟ و كيف يمكنها تحقيق الإنصاف؟ و بأي معنى
تكون المساواة غير عادلة؟ هل وجدت العدالة لتحقيق المتعة أم لأنها ضرورية لتحقيق
التوافق السياسي؟
أفلاطون: العدالة هي تحقيق الانسجام في النفس و
داخل المدينة، من خلال أن يقوم كل فرد بالوظيفة المنوطة به حسب طبيعته و مؤهلاته،
ذلك أن الناس معادن وطبقات،ومن العدل أن ينصرف كل واحد إلى وظيفته بما
يتناسب مع طبيعته العقلية و الجسمية و
النفسية. العدالة إذن واجب يمثل أساس المجتمع.
يرى أرسطو أن
العدالة والإنصاف متطابقان، إلا أن
الإنصاف أفضل، لأنه الشرط الأساسي لتصحيح ما يلحق بالعدالة، عند تطبيقها، من أخطاء
ناتجة عن عمومية القوانين.
يرى هيوم أن
العدالة لا تتعارض مع المنفعة و المتعة و
المصلحة الشخصية، بل إنها تفقد كل معنى إذا أغفلت هذه الغاية، لأن العدالة في
ارتباطها بالحق و الحرية و العقل والكرامة، إنما تهدف إلى خلق قوانين تكفل تحقيق المصلحة الخاصة دون تعارض مع
المصلحة العامة. من هنا تكون العدالة فضيلة تشكلها قوانين المجتمع.
جون راولز: تقوم
العدالة على قاعدة الإنصاف، و هي القاعدة التي تشترط استفادة كل فرد من الحقوق
الأساسية بالتساوي، و عدم وضع عوائق أمام الأفراد الذين تساعدهم ظروفهم و مواهبهم
لتحسين وضعيتهم، شريطة أن يكون للباقي حق الاستفادة أيضا من هذا الوضع ما أمكن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق